المغرب ما قبل التاريخ

 المغرب ما قبل التاريخ

تاريخ المغرب
تاريخ المغرب


تعد الفترة ما قبل التاريخ من أطول الفترات، إذ تقارب المليون سنة، وتنقسم إلى خمسة عصور، منها العصر الحجري القديم الأسفل، والعصر الحجري القديم الأوسط، والعصر الحجري القديم الأعلى، والعصر الحجري الجديد والعصر ما قبيل التاريخ. وتعتبر الاكتشافات الأركيولوجية لبقايا العظام والأدوات والبنايات السكنية والمقابر وأدوات التزيين ...، السند الوحيد لدراسة هذه الفترة.

وقد عرفت هذه العصور التي انتهت إلى حدود ظهور الكتابة سنة 3000 قبل الميلاد، تطورا متواترا على البنية الجسمانية والفكرية للإنسان، وكذلك على مستوى التفاعل مع المجال والمناخ.

يعتبر المجال الجغرافي للمغرب حلقة وصل بين جنوب الصحراء والضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط. وقد ساهم عامل القرب من القارة الأوربية في تبادل الهجرات بين البلدين وذلك عن طريق جبل طارق. * العصر الحجري القديم الأسفل . بداية الأنشطة البشرية وظهور الحضارة الأشولية

تعود الإرهاصات الأولى لظهور أنشطة العنصر البشري بالمغرب إلى العصر الحجري القديم الأسفل، كما ظهر الإنسان العاقل بالعصر الحجري القديم الأوسط، أما العصر الحجري القديم الأعلى عرف بنيات اجتماعية مركبة، وتثبت الاكتشافات في عدد من المواقع المغربية، ومن بينها موقع ليساسفة بالدار البيضاء سوى العثور على عدد متنوع من عظام الحيوانات، كالخرتيت (وحيد القرن) والغزلان وأنواع مختلفة من القوارض... إلخ، ترجع مدتها إلى 5,5 مليون سنة قبل الحاضر، مما يحيل على وجود غطاء نباتي متناثر، وغياب نشاط بشري، عكس كينيا التي تم العثور بها على بقايا عظمية للبشر، تعود إلى حوالي ستة ملايين سنة قبل الحاضر، وأخرى كذلك بتشاد تعود إلى سبعة ملايين سنة قبل الحاضر.

أما الفترة التي بدأ فيها الإنسان صنع الأدوات من الحصى والتي سميت بحضارة الحصاة المعدلة، فهي ترجع إلى 4,2 مليون سنة قبل الحاضر، إذ كان المغرب يزخر بوحيش بري ومائي لا نظير له بشمال إفريقيا، إذ تم اكتشاف بقايا بموقع أهل لغلام مقلع دوبري سابقا) الموجود بضواحي الدار البيضاء شبيهة لما عثر عليه بكل من كينيا وإتيوبيا، وخلال هذه الفترة بالمغرب لم يتم العثور على أية بقايا بشرية، مما يدل على أن الإنسان الماهر بقي مستقرا بمهده شرق وجنوب إفريقيا.

وحوالي مليوني سنة قبل الحاضر، عمر الإنسان منتصب القامة والإنسان العامل مجالات كل من إفريقيا وأوربا وآسيا. وقد تم التوصل إلى بعض مخلفات الإنسان منتصب القامة بالمغرب بالعديد من المواقع، منها مقلع طوما 01 بالدار البيضاء، كما أن جل بقايا الإنسان منتصب القامة التي تم اكتشافها بشمال إفريقيا لا تتعدى 500 ألف سنة، ومن المعلوم أن نصف ما تم اكتشافه بالمغرب عبارة عن جماجم وأسنان مما يطرح إشكالية التعرف على هيئة جسم الإنسان. لكن بعد اعتماد تقنية أدوات التكنولوجيا الحديثة وتقدم العلم في هذا الميدان، تم التوصل إلى فكرة عن أسلاف المغاربة، ويتضح من خلال الدراسات التي تمت على بقايا الإنسان، أنه كان يتمتع بأسنان قوية وقامة قصيرة، ولم يتوفر على الذقن، مما جعل هذه السمات تقربه من شكل الإنسان منتصب القامة، كل هذا يرجح فرضية وجود الإنسان بالمغرب ما بين فترتي العصر الحجري القديم الأسفل والأوسط

برزت التجمعات البشرية الأولى بالمغرب خلال الفترة الأشولية (حوالي مليون سنة قبل الحاضر)، ومن خلال الحفريات التي أقيمت به تبين أن الأشوليين انتشروا بكل ربوع المغرب، مما يشي على قدرة التأقلم مع الطبيعة والمناخ، فيما تبقى المعطيات جد قليلة عن نمط عيشهم، إذ تتركز فقط بمقالع الدار البيضاء وضواحيها. وقد توصلت الدراسات بأن الآشوليين سكنوا الكهوف، فيما كانوا يعتمدون في تغذيتهم على لحوم البقريات والظبيان... ، أما الأدوات التي كانوا يستعملونها عبارة عن شظايا مقتطعة، وفؤوس يدوية ذات وجهين وكذا الرأس الحادة التي كانت تستعمل لفرم لحوم الحيوانات.

وحوالي 400 ألف سنة قبل الحاضر، تحسنت هذه الأدوات بشكل ملحوظ، حيث أصبح الإنسان يصمم الشكل الذي يريده ويتحكم فيه، وترجع هذه العملية إلى الفترة الأشولية الأخيرة أي حوالي 200 ألف

سنة قبل الحاضر، زد على ذلك استعمالهم النار لطهي اللحوم. إن الحفريات لم تعثر على أية مقابر، مما ينم على أنهم لم يكونوا يدفنوا موتاهم ولم تكن لهم طقوس جنائزية، وكذلك لم تعثر على أي أدوات للزينة

ويمكن القول عن هذه الحضارة أنها اتصفت بالتأقلم مع الظروف الطبيعية والمناخية، مما يدل على أنها كانت تتوفر على ضوابط اجتماعية. * العصر الحجري القديم الأوسط - الإنسان العاقل وظهور الموستريين

تعتبر القارة الإفريقية بإجماع من لدن الباحثين مهد الإنسان العاقل، إذ يعود اكتشاف أقدم بقايا بشرية للإنسان العاقل بإفريقيا وخاصة بإثيوبيا إلى فترة 160 ألف سنة أو أكثر من قبل الحاضر، وتم كذلك الكشف عن بقايا أخرى بحوض وادي الصدع العظيم يعود تاريخها إلى 195 ألف

سنة قبل الحاضر، مما يرجح فرضية انتشار الإنسان العاقل بربوع العالم انطلاقا من إفريقيا مرة ثانية، أو تأقلم الإنسان منتصب القامة بمحيطه منذ الهجرة الأولى.

أما المغرب فقد تم اكتشاف بقايا عظمية للإنسان العاقل بجبل إيغود الذي يوجد بناحية أسفي، وهي تحمل نفس المواصفات التي تم العثور عليها بإفريقيا، ويعود تاريخها إلى 300 ألف سنة قبل الحاضر، ولا يختلف هذا الإنسان عن الإنسان منتصب القامة إلا قليلا من حيث الوجه الوطيء والنتوء فوق محجر العينين، فيما يتميز ببروز عظم الجبهة مع مثول الذقن. ويصعب على الباحثين بالمغرب تحديد بداية العصر الحجري القديم الأوسط، وهذا راجع لقلة المواقع الأثرية لتلك الفترة.

تحدث الباحثون المختصون في الحفريات عن حضارتين بالعصر الحجري القديم الأوسط، الحضارة الموستيرية نسبة إلى منطقة "مويستيه" Moustier بفرنسا لأن الاكتشاف لأول مرة تم بها، والحضارة العاترية نسبة إلى بئر العاتر بالجزائر. وتعتبر الحضارة الموستيرية الأقدم خلال العصر الحجري القديم الأوسط، وقد أثبتت الاكتشافات وجودها من خلال الحفريات التي أقيمت بجبل إيغود بأسفي وموقع الغفص ضواحي وجدة، مما يوحي على انتشارها بنطاق واسع بالمجال المغربي، وقد سكن الموستيريون الكهوف والملاجئ الصخرية، كما أقاموا مساكن مكشوفة، وكانوا يتغذون على النباتات، وقد ساعدهم في ذلك الوسط الطبيعي الذي كان يضم أشجار الخروب والزيتون البري، كما مارسوا صيد الحيوانات (الو- الغزال النعام- الخنزير.... إلخ)، ومن خلال آثار الحرق التي تم اكتشافها على العظام التي خلفوها، فهي دليل على استعمالهم للنار. وقد أثبتت دراسة بقايا الفحم الخشبي الأحفوري أنهم استعملوا أغصان الزيتون البري لإيقاد النار. أما الحضارة العاترية، فهناك من الباحثين من يعتبرها امتدادا للحضارة الموستيرية، بينما يرجح آخرون بأنها حضارة مستقلة، لكن يبقى وجودها بشمال إفريقيا والصحراء الكبرى الغزا محيرا لغياب البراهين القطعية، إذ هناك من يرى بأن أصلها يعود إلى بلاد النوبة

السودان حاليا)، وهناك من يرجحها بأنها منحدرة من مصر، لكن الأدوات التي تم العثور عليها فندت الفرضيات السابقة. وعلى عكس الموستریین، شغلت الحضارة العاترية نطاقا أوسع بالمغرب، وتعود آثارها إلى 100 ألف سنة على الأقل قبل الحاضر.

وقد تم العثور على أغلب بقايا الحضارة العاترية بكهف دار السلطان 02، وتمارة بمغارة الهرهورة 01، وقد تم مؤخرا اكتشاف بعض البقايا بشرق المغرب.

تميز أهل الحضارة العاترية بصناعة الأدوات الحجرية الاستعمالها في حاجياتهم وخاصة الصيد، ومن المصنوعات التي ساهمت في إشعاع هذه الحضارة، الأدوات ذات الوقات

مذراة للحبوب و المكاشط ( محكات للجلود)، وقد أثبتت الحفريات أنهم مارسوا الصيد الانتقائي، مما يدل على التطور في حياة الإنسان.

لقد انعكس المناخ على الحضارة العاترية بالمغرب بعدما كان المجال الجغرافي مأهولا بالأشجار والطرائد والمياه، أصبح يسوده القحط والجفاف، مما أثر على حياة العاتريين 

ويعود تاريخ هذا الجفاف إلى 25 ألف سنة قبل الحاضر. وإن توالي سنوات القحط ساهم في انتقال بعض المجموعات العاترية إلى الضفة الأخرى بعد تراجع مستوى البحر بما يقارب 120 مترا، وظهور بعض الجزر بين المغرب وإسبانيا، ومما يثبت ذلك تشابه الأدوات العارية الموجودة بالمغرب مع نظيرتها بإسبانيا. وقد عرفت الفترة العاترية مصنوعات للزينة وشظايا مخرومة من الوسط، ويعبر هذا عن تقدم الإنسان العاقل في الفكر، وقد تم العثور على أدوات للزينة تعود للحضارة العاترية بكهف الحمام بتافوغالت (منطقة توجد بالقرب من بركان)، ويعود تاريخها إلى 100 ألف سنة قبل الحاضر، وبالتالي تعد من الأقدم في العالم. كما يعتبر المغرب البلد الوحيد الذي تم العثور به على أدوات للزينة تعود إلى العصر الحجري القديم الأوسط.

ويعتبر تدجين النار من المميزات الكبرى التي عرفها العصر الحجري القديم الأوسط، لأن الإنسان تجاوز استعمالها في الإنارة والتدفئة إلى الطهي، الأمر الذي مكن من تحسين النظام الغذائي، وساهم في بنية القدرة الجسمانية والفكرية، وإن غياب العثور على مقابر، ساهم بدوره في تغييب الكثير من الحقائق لهذا التنظيم الاجتماعي. لذا يبقى دائما لغز اختفاء الحضارة العاترية مبهما، مما حتم على الباحثين طرح عدة فرضيات، فمنهم من رجح أن العاتريين هاجروا إلى أوربا عبر مضيق جبل طارق وصقلية، وبعد حلولهم بأوربا كونوا الحضارة البيرومورية، ثم عادوا من جديد إلى شمال إفريقيا، وهناك من افترض تعرضهم للإبادة من قبل الابيروموريين الذين خلفوهم بنفس المجال. ورغم كل ما توصلت له الاكتشافات فلا نعرف عن الحضارة العاترية إلا النزر القليل.

* العصر الحجري القديم الأعلى . تطور الإنسان العاقل المعاصر
ساهمت الظروف الطبيعية القاسية التي اجتاحت المجال ما بين 25 ألف و20 ألف سنة في إنهاك وضعف قوة العاتريين، وإذ كان المتأخرون منهم استطاعوا التأقلم مع هذه الظروف المناخية، ومهما يكن فإن الإبيروموريين ( الإنسان العاقل المعاصر) ظهروا حوالي 22 ألف سنة قبل الحاضر، واستمروا إلى حدود ثمانية آلاف سنة قبل الحاضر، وقد عرفت هذه الفترة تطور الإنسان على مستوى البنية والتنظيمات الاجتماعية، مما ساهم في توفير وسائل عيش جديدة.
يتوفر المغرب والجزائر على مواقع ابيرومورية بوفرة مقارنة مع تونس، مما يفند فرضية قدومهم من بلاد مصر والسودان. وقد عمر الإبيروموريون السواحل المغربية للبحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، إضافة إلى بعض الأماكن بجبال الأطلس المتوسط، وبحكم المناخ والطبيعة أقاموا بالكهوف وكذا بمساكن مكشوفة، إذ تنوع غذاؤهم بين ما يصطادونه من الحيوانات البرية والمائية ، وكانوا يفضلون أكل لحم الأروي الذي احتل مكانة خاصة في معتقدهم، حيث كانوا يطمرون قرونه مع موتاهم إلى جانب قرون الثيران وبعض الأدوات العظمية والمصنوعات الحجرية، وقد امتازوا بصناعة أدوات القنص وكل ما يخص الأشغال اليومية. | وقد تعاطي الإبيروموريون الأدوات الزينة المتجلية في قواقع الرخويات وبعض العظام بعد خرمها...، وكانت تستعمل كقلائد وعقود للتوشيح، مما يعطي بعدا رمزيا ربما على الانتماء الاجتماعي أو العرقي، كما قاموا بانتقاء بعض النباتات لتوظيفها كوقود، مما يؤشر على التقدم في التفكير. وقد خضعوا للتنظيم الاجتماعي خلال عيشهم وتوزيع المهام.
وقد أكدت الدراسات التي خضعت لها بعض الهياكل العظمية، أن بعض الأفراد الإبيروموريين قد أصيبوا بأمراض صعبة لم يقدروا على مجابهتها لولى التضامن الجماعي، ومن الاكتشافات الغريبة هناك جمجمة تحمل آثار عملية جراحية عبارة عن ثقب بمؤخرة الرأس. 
* العصر الحجري الجديد 
- إشكالية الاستمرارية والقطيعة
ترجع آخر الدلائل حول الإبيرومريين ببعض مناطق شمال إفريقيا والمغرب إلى ما بين 9000 و8000 سنة قبل الحاضر، وقد بينت الهياكل العظمية أن أصحابها ينتمون إلى أقوام ذات قوام رشيق، ويمكن القول بأن القفز نحو العصر الجديد كان متواترا بدون انقطاع رغم صعوبة تقبل هذا الانتقال، فالمعطيات الأثرية تثبت استمرارية الأنشطة التي كان يمارسها الإبيروموريون، وقد أصبح العصر الحجري الجديد أو النيوليثي خطا فاصلا بين العصور الحجرية و عصر جديد لفترة ما بين 7000 إلى 3000 قبل الميلاد.
عرف العصر الحجري الجديد تطور الممارسات الاجتماعية والاقتصادية التي دفعت نحو الاستقرار، وظهور ممارسات جديدة كالزراعة وتدجين الحيوانات وصناعة الفخار، سميت هذه التحولات ب" النقلة النيوليثية".
ويرى بعض المختصين أن حضارة العصر الجديد قد وفدت إلى المغرب من شبه الجزيرة الإيبيرية معتمدين على الخزف الكارديالي المكتشف باسبانيا، والذي يعد الأقدم زمنيا مما عثر عليه بالمغرب، لكن من المحتمل أن يكون هذا الخزف قد تم عن طريق التبادل التجاري، لأن الملاحة بالمتوسط كانت مواتية، مما يشكك في فرضية النزوح البشري.
ربما يعود تفرق الإنسان النيوليتي بربوع المجال المغربي إلى النمو الديموغرافي الذي عرفته المنطقة تماشيا مع الخصائص المناخية لكل جهة، فعلى مستوى المتوسط والريف والشرق كان الحضور البشري متواصلا وأنشطته متنوعة بين الزراعة وتدجين الحيوانات كالضأن والمعز والكلاب والخنزير، كما سكن النيوليثيون المغارات واتخذوا منها أماكن للدفن، أما على مستوى كل من العيون وطرفايا وطانطان، فقد تعاطى الإنسان إلى تربية الماشية والصيد، لكن الأطلس الكبير لم يعرف هذه النقلة النيوليثية إلى حدود 2800 قبل الميلاد، بعدما نزح الناس من هول الجفاف الذي ضرب البلاد.
تميز الإنسان النيوليثي عن سابقه بالتنظيم المجتمعي والاعتناء بدفن الموتى، واكتشاف العديد من المقابر يبرهن على ذلك، كمقبرة إزريتن بناحية طرفاية، والتي يعود تاريخها إلى 5000 سنة قبل الميلاد، ومقبرة الكيفان بناحية الدار البيضاء ومقبرة الروازي بالصخيرات...، وتأثر بالتقلبات المناخية التي سادت البلاد، مما حتم عليه التعايش معها، وخاصة فترة ما بين 6300 و5500 قبل الميلاد، التي ضرب خلالها الجفاف مجموع الشمال الإفريقي مما جعله يصوب وجهته لصيد الأسماك وجمع المحار على الساحل، أما فترة ما بين 5600 و4700 قبل الميلاد عرف المغرب مناخا رطبا، مما جعل الإنسان النيوليثي ينوع إنتاجه الحيواني بإضافة تدجين الغنم، وقد عرفت هذه الفترة ظهور نوع من الخزف
يحمل زخارف، وبداية من سنة 5100 قبل الميلاد هجر الإنسان الكهوف للاستقرار لكن عامل الجفاف الذي اجتاح البلاد حوالي سنة 4300 قبل الميلاد، ساهم في هجرة مجموعة من سكان المناطق الجنوبية صوب الشمال.
خرج المغرب من الاعتماد على الصيد إلى طور التربية والإنتاج فترة بداية سنة 4000 قبل الميلاد، وقد حل الجفاف بالسهول الساحلية سنة 3600 قبل الميلاد، مما فرض على الإنسان النيوليثي ترك المكان بحثا على فضاء ملائم للعيش. 
* عصر ما قبيل التاريخ
يعد عصر ما قبيل التاريخ الحد الفاصل بين فترة ما قبل التاريخ وبداية كتابة التاريخ، وقد اقترن هذا العصر بالاقتصاد القائم على ممارسة الزراعة وصناعة الأواني الفخارية بشكل جديد، وإنتاج بعض الأدوات المعدنية، أما على المستوى الاجتماعي والعقائدي فإن مجتمعات إنسان ما قبل التاريخ استقرت بالمغارات والملاجئ الصخرية وكذا المساكن بالهواء الطلق، كما عمل على ضبط التنظيمات الجنائزية أكثر مما كانت عليه عند الإنسان الابيروموري وإنسان العصر الحجري الجديد من بعده.
تعود فترة ما قبيل التاريخ إلى سنة 2900 قبل الميلاد، وذلك بالعودة إلى التأريخ عن طريق الخزف الكرسي الذي تم العثور عليه بمقابر الروازي بالصخيرات، والفؤوس المفلطحة وإلى أسنة السهام من نوع "بالميلا ( نسبة إلى موقع بالميلا Palmela بالبرتغال) في عدة أمكنه بالمغرب، أما فيما يخص فترة نهايته فقد اختلف المختصون حولها، فمنهم من اقترنها بالكتابة الليبية. ولا يمكن الجزم في نهايته بوصول الفينيقيين إلى المغرب، لأن المعطيات الأركيولوجية لهؤلاء لم تترك أي أثر على النظام الاجتماعي والاقتصادي للمحليين.
إن الأبحاث الأثرية التي يمكنها تسليط الضوء على مميزات عصر ما قبيل التاريخ بالمغرب، لا زالت محتشمة، لأن كل ما عثر عليه من مصنوعات برونزية كان بالصدفة. وتفيد المعطيات المتوفرة أن الحضارة الكرسية برزت بداية سنة 3000 قبل الميلاد، وأن المجموعات البشرية تعاطت لزراعة الحبوب وتربية الماشية والصيد البري والبحري، أما بالنسبة للمصنوعات البرونزية وبيض النعام والعاج والأسلحة التي تم العثور عليها بالمغرب، يمكن اعتبارها دليلا ماديا عن التبادل بين ضفتي المتوسط في تلك الفترة أما الشواهد الجنائزية الموزعة بالتراب المغربي، فتعتبر أهم مصدر للقى الأثرية التي تعود لعصر ما قبيل التاريخ، وهي عبارة عن مدافن ميغاليتية كالموجودة بالمرس، وإما قبور عادية كمقبرة عين الدالية بمنطقة طنجة، وإما منشآت جنائزية بنيت بالحجارة فقط، وتنتشر بكثرة جنوب المغرب. 
غير أن معطيات جديدة توحي أن جل هذه المعالم وليدة العصور التاريخية من ضمنها أماكن الإقامة طقوس جنائزية بوادي الذهب وتافيلالت، زد على ذلك النصب الحجري الدائري الكائن مقره بموقع المزورة، وكذلك معلمة القبر التلي الفريد بين العرائش وأصيلة المحاط بمائة وسبعة وستون حجرة كبيرة من بينها حجرتين بارزتين كالوتد وبه سميت المعلمة، لم يتوصل المختصون إلى تحديد وظيفتهما. وقد أكدت الأبحاث أن القبر التلي والدائرة الحجرية لم ينتميان إلى نفس الفترة، فالقبر يعود إلى القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد فيما الدائرة الحجرية تعود فترتها إلى الألفية الرابعة والثالثة قبل الميلاد. 
خلاصة:
يتضح من خلال المعطيات الأركيولوجية، أن ظهور الإنسان منتصب القامة بالمغرب، يرجع إلى حوالي مليون سنة قبل الحاضر، مما يعني أن الإنسان قد عمر قديما المجال الجغرافي المغربي، وقد برهنت هذه المعطيات على مدى تفاعله مع الظروف الطبيعية والمناخية. وقد أكدت كذلك الأبحاث الأثرية تعاقب الأجناس البشرية على أرض المغرب من الموستريين والعاتريين، إذ صنعوا وطوروا أدواتهم وأسلحتهم المختلفة، واستعملوا النار. أما الإبيروموريين فقد يعود ظهورهم بالمغرب إلى حوالي 22 ألف سنة قبل الحاضر، وقد عرفوا تقدما على مستوى التنظيم الاجتماعي، واستعمال أدوات الزينة، والأكثر من هذا إجراء أول عملية جراحية في العالم والاعتناء بالموتی.
أما العصر الحجري الجديد، فقد تميز بتدجين بعض الحيوانات وزراعة الحبوب، والنقوش، ومن مميزاته أيضا عملية التبادل بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط عبر مضيق جبل طارق، أما الفترة ما قبيل التاريخ عرفت تنظیمات اجتماعية معقدة، وبروز أدوات معدنية ومعلمة جنائزية فريدة، ومن المرجح أن سكان الساحل أقاموا مبادلات تجارية مع الفينيقيين الأوائل الذين حلوا بالمغرب.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المغرب القديم الفينيقيون والقرطاجيون